تغطية مباشرة

ركن ال"سي بي إم" من برلين: رجل مختلف، في مهرجان مختلف..

ثقافة
الثلاثاء ٢٠ فبراير ٢٠٢٤
16:36
استمع المقال
من برلين، بلال مرميد، مسؤول القسم الثقافي بميدي1 وميدي1تيفي
استمع المقال

هل جمال الشكل مهم، أو بالأحرى هل هو الأهم؟ هل من الضروري أن نقول للناس العكس لكي نظهر بأننا نؤمن بالتسامح وبتقبل الآخر؟
في برلين، يدفعك آرون شيمبرغ بشريطه أن تطرح بعد مشاهدة أولى أسئلة كثيرة تخص الهوية، وتقبل الآخر المختلف شكلاً لنفسه، قبل كل حديث عن تقبل الآخرين له. تلك الأقنعة التي تصنع الملامح الوسيمة، في مقابل عجزها عن التأثير في الجمال الداخلي، أي ما وراء القناع. من نحن؟ وكيف نبدو للناس؟ وكيف نتصور بأننا نبدو للناس؟ ما الذي يراه الآخرون فينا؟ وما الذي نرغب في تقويمه لكي نغير نظرة البقية لنا؟
قرأت عن A Different Man "رجل مختلف" وعن ظروف تصويره الكثير قبل أن أصل إلى برلين، وفوتت فرصة المشاهدة يوم الجمعة، قبل أن أستدرك السبت في الكوبيكس. "رجل مختلف" لآرون شيمبرغ، شريط سبق وقدم في ساندانس، والتسويق له ولموضوعه المثير انطلق منذ مدة. قال البعض بأن شريطه يحمل شيئاً من "الرجل الفيل" لدايفيد لينش، لكن الاختلافات مع ذلك كثيرة وبيِّنة. الفيلم تم تصويره في نيويورك، وهو يمتد على مساحة زمنية تقارب الساعتين. هو شريط يحكي باختصار قصة إدوارد الذي يلعبه الممثل البولوني الأمريكي سيباستيان ستان، وهو الحالم ببناء مشوار في التمثيل، ويعاني من تشوه في الوجه بسبب خلل وراثي ينتج عنه ورم في الأنسجة العصبية (Neurofibromatose). العروض لا تتهاطل عليه طبعاً، بل يأتيه فقط اقتراح لتصوير وصلة تحسيسية. يخضع إدوارد لعملية جراحية تجميلية للوجه، لأنه يرفض وضعه، ويرفض ردود فعل الناس الصادمة . نظرة الآخر المحيرة والمربكة والمرتبكة، وأحداث تتطور لتدخل إينغريد على الخط، وهو الدور الذي تؤديه رينيت رينسف، صاحبة أفضل دور أنثوي في مهرجان كان قبل ثلاثة من سنوات. اهتمام من إينغريد بقصة إدوارد، جعلها تشتغل على عمل مسرحي بطله شخص بوجه مشوه، أما التفاصيل فهي مأخوذة من حياة إدوارد السابقة قبل أن يخضع للجراحة. تمنح دور المريض في مسرحيتها لأوزوالد، والدور لعبه آدم پيرسون الذي يعاني فعلاً من هذا المرض. بمعنى أن المخرج الذي صنع شريطاً يمرر فيه بعضاً مما عاشه هو شخصياً في مراحل سابقة من حياته وهو ما استدعى جراحة تقويمية، اختار ممثلين لكي يؤديا دور الرجل المختلف شكلاً. الأول هو سيباستيان ستان الذي لعب الدور، والثاني هو آدم پيرسون الذي أدى دور المصاب بمرض يتعايش معه فعلاً في الحياة. أراد المخرج وفق ما شرحه في وقت سابق، أن يتفادى حصائد الألسن، لأنه لو اكتفى بممثل يضع قناعاً سيتهم بالانتحال، ولو اعتمد فقط على ممثل من ذوي الاحتياجات الخاصة، سينعت بالاستغلال. اختار أن يضم الإثنين معاً في مشروع أهم ما فيه أنه حاول أن لا يلعب على وتر العاطفة، وإن كان يدغدغها بين الفينة والأخرى لأن قلب المشاهد لم ولن يكون من جليد. هل الجميل هو ما نراه أم الجميل هو ما نحس به؟ نفسٌ ممهد من رواية لتوني موريسون كتبت قبل أزيد من نصف قرن، وفيها سطور عن شابة تتأفف من بشرتها السوداء التي يعتبرها كثيرون عاهة خلقية. في فيلم "رجل مختلف" يترك المخرج لنفسه هامشاً كبيراً لترويض الخيال، مع حضور دائم للمسة الكوميديا السوداء، قبل أن نعبر نحو فكرة أساسية، وهي أن تعريف الجمال بالنسبة لي، ليس هو نفس التعريف بالنسبة لك أنت كمتتبع، وليس هو تعريف الجمال بالنسبة للمخرج. مخرج لديه مشروع أوصله إلى مهرجان برلين.. أعرف عشرات المخرجين الذين لا يدافعون سوى عن قضية واحدة وهي الاسترزاق بالفن من الفن. بينهم وبين السينما والجمال مسافة حياة، مهما حاولوا أو يوهمونا.
خلال حديثه عن تجربة المشاركة في الفيلم، يقول الممثل البريطاني آدم پيرسون المصاب بالمرض، بأن الفيلم الجيد يغير نظرة الناس في يوم واحد، أما الفيلم الجيد جدا فهو يغير نظرة الناس للأبد. من حقه أن يكون متفائلاً.. بالنسبة لي الأمور أعقد بقليل مما قاله، وأعقد بكثير مما حمله شريط "رجل مختلف".
حين سيعرض الشريط بعد أشهر، تذكروا بأنكم تابعتم لأول مرة تفاصيل العمل في ركن ال"سي بي إم". على الأقل، ستكون تلك الخطوة الأولى لكي يصير لنا تقريباً نفس التعريف للجمال. هو ركن أول عن شريط "رجل مختلف"، في انتظار أن يتحرك يوماً نقاقيدنا ليفككوا الفيلم، ويتطرقوا لذلك العمق الذي لم يصلوه يوماً. حالياً، نحتاج من يكتب.. من السهل أن تصنع اسما ببيع الوهم، وتطالب الناس بالإبحار في العمق، في وقت لم يسبق لك فيه أن كتبت سطراً واحداً، والسلام.