تغطية مباشرة

Father & Son

ثقافة
الثلاثاء ٠٧ نونبر ٢٠٢٣
17:36
استمع المقال
ركن بلال مرميد - مسؤول القسم الثقافي بميدي1 وميدي1تيفي
استمع المقال

أبي لم يمت، لأنه أنقذ إلى جانب مبدعين آخرين مهرجاناً وطنياً مهما لسينمانا، يستحق منا جميعاً أن نجتهد من أجله في الدورات المقبلة.
الفاضلي الأب لم يمت، لأنه ترك فنانين، من ضمنهم عادل الفاضلي. شارك الأب في فيلم نجله، وساهم في توجيه العمل، وشاهده، ثم جاء الرحيل قبل أن يعرض الشريط. في طنجة، كرم الفاضلي الإبن والده الراحل عزيز الفاضلي، ومُنح المخرج فرصة للتأكيد بأن تألق شريطه القصير "حياة قصيرة" قبل سنوات، لم يكن صدفة ولا ضربة حظ. السينما لا مكان فيها للصدف، والحظ قد يساعد مخرجاً حين يكون بصدد البحث عن موارد إنتاجية، وليس في تصريف الطاقة الإبداعية. "أبي لم يمت" مثال على أن صناعة فيلم حقيقي في المغرب، هو بمثابة دخول سباق مسافة طويلة. قد يكملها العداء، وقد يمل ويرهق، ليغادر السباق في إحدى مراحله.
كنت شاهداً مثل كثيرين على مراحل إنجاز هذا الفيلم، وتابعت كل ذلك الكم الكبير من صعوبات وعراقيل كادت أن تنهي حياة الشريط قبل ولادته. صور وتوقف، ثم واصل وصور مشاريع أخرى ليجني المال ويسهم في إتمام تصوير فيلمه الطويل، ثم جاء فيروس كورونا وتوقفت الحياة ومعها السينما، وعاد لينهي مراحل الاشتغال على شريط متعب وجميل في آخر المطاف. كل من شاركوا في شريط "أبي لم يمت"، ضحوا بشيء ما، قليلا كان أو كثيراً، لأنهم آمنوا بحلم عادل الفاضلي في إنجاز شريطه، وفق تصوره. منهم من أجل مشاريعه الخاصة من أجل دعم عادل الفاضلي، مثل فوزي بنسعيدي (مُكرم مهرجان مراكش السينمائي الدولي في نسخته المقبلة) الذي شارك في الفيلم ممثلاً، وتفنن في إتقان دور صغير زمنياً، وكبير بحمولته التي خدمت العمل. على خلاف ما قرأته في بعض من مقالات، لم يُخضع عادل الفاضلي شريطه لزاوية معالجة واحدة، ولم يحصر نفسه في موضوع واحد. في "أبي لم يمت"، هناك سياسة من خلال التركيز على مرحلة معينة من تاريخ المغرب، وهناك علاقات اجتماعية متشابكة ومعقدة، وهناك نضال، وهناك قهر، وهناك خيانة. في "أبي لم يمت"، هناك خيال يرافق الواقع، وهناك بالخصوص فن، وهذا أهم ما في القصة من ألفها إلى يائها. صنع عادل الفاضلي مكانه وأثثه حسب الإمكانات المتاحة، وتلاعب بالزمان كما أراد، وكاد أحياناً أن يتيه في دروب اختياراته، وأحلام الشريط الطويل الأول الذي حمله المخرج بكل ما كبر معه، وتدرج في تعلمه. هو كل تلك الألوان التي تعانق أصواتاً، صانعة سخرية جادة، وجدية ساخرة. "أبي لم يمت"، هو كل ذلك الخليط من صناعة إحباط وصناعة فرح، وهو كل تلك الإحالات على أفلام كلاسيكية عربية وعالمية، بأساليب مختلفة، وهو تلك الفوضى التي تتخللها بين الفينة والأخرى كثيرٌ من مقاطع خلاقة.
في "أبي لم يمت"، لم يكبر ذلك الطفل الذي يرافق عادل الفاضلي منذ شريطه القصير "حياة قصيرة، ومعه تطرح تلك الأسئلة التي يجب على المشاهد أن يجتهد بنفسه في العقور على بعضٍ من أجوبتها، وفي "أبي لم يمت" إيقاعان متباينان. شطر أول بإيقاع سريع، وموسيقى صاخبة أحياناً، يجعلك تدخل الحكاية، لتصنع حكايتك الخاصة بك كمشاهد، وشطر ثان بإيقاع أقل سرعة، وبتيه تعيشه بعضٌ من شخصيات تبحث بدورها عن حقيقة ضائعة، وفي الخلفية تسمع "الحياة حلوة". هي ليست بتلك الحلاوة التي قد يتخيلها البعض، لكن العنصر المحفز فيها قد يكون ذلك الحنين لماضٍ له ما له، وعليه بالخصوص ما عليه.
 على عادل الفاضلي أولاً أن يكون سعيداً بجوائزه التي هنأه عليها غالبية زملائه، وعلى عادل الفاضلي ثانياً أن يعبر من الآن نحو مشروع آخر بعد أن تحرر من ضغط هذا الشريط الذي تابعت عن قرب كل مراحل إعداده، وعلى عادل الفاضلي ثالثاً أن ييسر سبل لقاء الفيلم بجمهور يرغب في التعرف على سينماه. الفيلم توج في مهرجان وطني خصصت له ركناً في الأسبوع المنصرم، وفيه ناديت بتصحيح مسار هذا الموعد المهم لسينمانا، وتقويم كثير من تفاصيل الصيغة الحالية التي صارت بالية ومتجاوزة. يعسر حقّاً أن أتقبل مرة أخرى تنظيم مهرجان يخص الفيلم المغربي، بدون مشاركة أحدث الأفلام المغربية.
 توج شريط الفاضلي بست من الجوائز، وصاحب العمل سيكون هذا الأسبوع ضيف ال"إف ب إم"، لكي نتحدث، ولكي يفضي أخيراً بأشياء كثيرة أعرفها شخصياً، وأود أن يتقاسمها عن طيب خاطر مع الجمهور العاشق للسينما. هناك في المغرب كفاءات في السينما يستحق مجهودها قليلاً من تصفيق، وكثيراً من تشجيع. ما يزعجني شخصياً هو التصفيق المتواصل وغير المبرر، والسلام.