في الحياة، هناك دوما منتصر، ومنهزم. هناك المنهزم بشرف، وهناك المنهزم الذي ينسحب، لأنه لا يعرف معنى الشرف. المنتصرون يكتبون التاريخ، والمنهزمون يحكون ويبررون الفشل.
في أرضنا إفريقيا التي تحبنا ونبادلها الحب، المغرب لا يمكن أن ينافس إلا نفسه. ليست هناك حاجة للثرثرة، ولعشرات النقاشات شبه التلفزية عند الجيران، ومئات التدوينات الحاقدة التي تبث السموم، وتغسل أدمغة ضعاف التفوس، وتنشر التفرقة. الأمر يسير الفهم لو كان الجيران يستوعبون معنى اللباقة، وحسن التصرف، والتقدير الجيد. طيلة عام كامل، دخلوا على خط منافسة المغرب لاستضافة أمم إفريقيا للعام ألفين وخمسة وعشرين. طيلة أشهر كاملة، كان كثير من كتبتهم ومحلليهم وإعلامييهم يطبلون لقرار ترشح اتخذه مسؤولوهم. مقالات عبيطة، وتدوينات تتهجم على المغرب، وبلاطوهات تلفزية قبيحة شكلا ومضمونا تناقش حظوظهم لاستقبال ضيوف القارة في أكبر محفل كروي إفريقي. تكلموا كثيراً باسم ممثلي الاتحادات الإفريقية، وحسموا بشكل قبلي كل شيء لصالحهم، ووضعوا تحت المجهر إمكانات المغرب، دون التركيز على كل تلك النقائص الفظيعة التي يعاني منها ملفهم المتهالك. تصريحات مراهقة، وتهجم لفظي مجاني وبشكل يومي على القائمين على الملف المغربي، وبكائيات تبدأ في كل مرة دون أن تنتهي. أطلقوا الوعود الوهمية، واستثمروا في الغباء، وبعد أن وصلت كل الوفود للقاهرة للحسم، خلقوا الحدث الفضيحة. لو كنت واحداً من أبناء الجيران، لأحسست بكل خجل الدنيا، لأن الأمر يتعلق بمسؤولين غير مسؤولين، وببيع للوهم للمواطن الجزائري الذي كان ينتظر أن تكون هناك منافسة، وبقرار دولة الترشح لاستضافة حدث كبير.
ما حدث في القاهرة يعفينا من شرح الواضحات، لأن الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم اختارت المغرب بالإجماع، وعبر ذلك الآخر العاجز مثل عادته لاستعمال سلاحه المتهالك، والمتمثل في تبرير ما لا يحتاج لتبرير. في الخلفية، هناك درس يجب أن نتعلمه بعد هذا الانتصار، وهو أن المغرب يجب أن يركز مع جيرانه الذين يتطلعون للمستقبل، بعيداً عن الحسابات الصبيانية، والتصرفات التي لا يمكن أن يقدم عليها العاقل والمتزن. أن ننسى كل مُنسحب، ونجتهد في الترشيح الثلاثي مع إسبانيا والبرتغال لتنظيم مونديال ألفين وثلاثين. أن نكون طرفاً في مشروع إفريقي أوربي تاريخي، تتوفر له كل مقومات النجاح.
في أرضنا إفريقيا التي تحبنا ونبادلها الحب، المغرب لا يمكن أن ينافس إلا نفسه. ما حدث في القاهرة، يعطينا فكرة عن القوة الحقيقية الضاربة بالفعل وليس بالقول. بكوا وتباكوا، والآن سيعبرون لإيجاد صيغ أخرى لتبرير الإخفاق. سيقولون أولاً بأنه كان عليهم الانسحاب بشكل مبكر، وسيقولون ثانياً بأن إيكامبي ما كان عليه أن يسجل، وسيقوبون ثالثاً بأن الحكم غاساما هو من حرمهم من التأهل. سيتفادون كل حديث عن تأهل المغرب لنصف نهائي المونديال محققاً حلم كل الأفارقة، وسيشحنون الشبكات الاجتماعية بذبابهم المتعفن، وسيشتمون وسيسبون، وبعد ذلك سيصمتون لأن المُنسحب لا يعتد به وبكلامه. آخر الكلام، مرحباً بكل إخوتنا الأفارقة نسخة ستكون الأفضل في تاريخ القارة في العام ألفين وخمسة وعشرين، وشكراً لكل الأفارقة الذين منحوا المغرب شرف التنظيم بالإجماع. شكراً لهم، وشكراً لكل من ساهموا في هذا الإنجاز. من يقررون في مصير الجيران، نذكرهم بأنهم لم يحضروا في القاهرة. لم ولن يحضروا، ولن يعاد اللقاء المؤهل لمونديال قطر، ولن تنفع التدوينات الرخيصة المستفزة. ندعوهم لأن يرتبوا أوراقهم، بما يليق بخيباتهم وغيابهم المتكرر. هنيئاً لنا بالإجماع الإفريقي، وهنيئاً لإفريقيا بالمغرب، القوة الضاربة الحقيقية التي لا تتكلم كثيراً، وتعد وتفي بالوعود. القوة التي لا تنسحب، والسلام.