تغطية مباشرة

فوق قمر زينب واكريم..

ثقافة
الجمعة ٠٥ مايو ٢٠٢٣
10:55
استمع المقال
ركن بلال مرميد، رئيس القسم الثقافي بميدي1 وميدي1تيفي
استمع المقال

بصدق، الكفاءات لا تنقص في هذا البلد، سننتظر فقط أن ينسحب التافهون والمدعون والمسترزقون تدريجيا، وبعدها ستشاهدون أشياء تشرف في المستقبل.

لن أتحدث في ركن اليوم عن الأفلام المغربية الثلاثة لأسماء المدير وكمال لزرق وفوزي بنسعيدي، التي وقع عليها الاختيار في فئتي "نظرة ما" و"أسبوعي السينمائيين" في مهرجان كان، ولن أتطرق أيضا لتسمية مريم التوزاني ضمن لجنة تحكيم المسابقة الرسمية التي سيرأسها السويدي روبن أوستلند، وكان في ديسمبر المنصرم أحد ضيوف ال"إف ب إم" من مراكش.

بالنسبة لي، حضور هؤلاء يدخل في خانة الأمر العادي والمنتظر والمرحب به. أخصص ركن اليوم لشابة مغربية اسمها زينب واكريم، أخرجت شريطا قصيرا بعنوان "أيور" "القمر" "Moon". هو شريط تخرجها من المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، وتم اختياره للمنافسة في فئة CINEF"السينيفونداسيون"، التي تجمع خيرة الطلبة من مختلف مؤسسات التكوين على الصورة في العالم.

هل الأمر مهم إلى هذا الحد؟ بدون ارتياب نعم، لأن الأمر يتعلق بأول طالبة تتكون في المغرب، وتدخل منافسة تشارك فيها عادة مؤسسات التكوين في أوربا وآسيا والولايات المتحدة، فيما يقتصر الحضور الإفريقي على شريطين، الأول مغربي والثاني مصري من خلال المعهد العالي للسينما في مصر.

الخبر تلقيته من المخرج علاء الدين الجم، أحد الأساتذة الذين ساهموا في تكوين زينب واكريم. مخرج شاب، سبق له أنه خبر أجواء مهرجان كان من خلال مشاركة شريطه "سيد المجهول" في فئة أسبوع النقد. حينئذ حول هذا المخرج جدية مسابقة هذه الفئة، لهزل مقبول انتزع التصفيق في قاعة مليئة عن آخرها في الموعد السينمائي الأول عالميا.

عاد للمغرب، وتحديدا لمراكش التي عبر من مدرستها، قبل أن ينهي تكوينه في بروكسيل. في مراكش يرص سيناريو شريطه الطويل المقبل، ويشرف على تكوين أبناء الجيل الجديد من سينمائيي بلده، ومن ضمنهم زينب واكريم.

تواصلت معها قبل أيام بتوصية من مؤطرها وأستاذها، واكتشفت شابة بطموحات كبيرة، وبأحلام لن تتوقف رغم كل الصعوبات. شاهدت شريطها الذي وقع عليه الاختيار، وبعد المشاهدة انتابني إحساس بأنه لا خوف على السينما في هذا البلد الذي يحتضننا جميعا.

هناك جيل قادم، لا يعترف بسباق العجزة نحو صندوق الدعم، ولا يعرف إلا الاشتغال دون توقف لتحقيق ما لم يتحقق من ذي قبل. شريط قصير صور بإمكانات بدائية، لكنه أقوى بكثير من أفلام مترامين تتوفر لهم كل الإمكانات، ويصورون غباءهم، ويشركونه في مهرجانات تافهة ليتبجحوا فيما بعد بكل هذا الكم من الجهل الذي نتلقفه باستمرار.

مع زينب واكريم، تعثر على تركيز من شابة مغربية على إنسانية الإنسان في أول تجربة إخراجية لها. فيلم برأسمال زمني من ثلاث عشرة دقيقة، تتطرق فيه لفئة تتعايش مع وضع معقد في صمت.

صمد وحسناء، وهما من أطفال القمر، يعانيان حساسية مفرطة من أشعة الشمس. مرض وراثي نادر، والمصابون بجفاف الجلد الاصطباغي مجبرون على البحث عن الظلام، وتفادي النور. نور كاميرا زينب واكريم، اقتحم هذا العالم بإحساس مرهف، ولم تكسر ذلك الهدوء الذي يغلف حياة صمد وحسناء.

لامست حبهما للفن والرسم بالتحديد، وتفننت في الاقتراب من همومهما ومن آلامهما وآمالهما. بالطريقة التي اختارتها زينب واكريم، تشعر بأن الأمر لا يتعلق بشريط قصير عابر وتافه وفيه استعراض لكل شيء ولاشيء كما يفعل مدعون كثر، يصرخون يوميا في الشبكات غير الاجتماعية، ويفتخرون بنيلهم جوائز من مهرجانات ما هي بالمهرجانات، وبأفلام ما هي بالأفلام.

السينما أسلوب حياة، وهذا الأسلوب يكشفه الفنان منذ البداية.. زينب واكريم، صورت في صمت فئة تعيش في صمت، ونجحت في صمت إقناع لجنة انتقاء مشاريع الطلبة في هذه الفئة من مهرجان كان.

الجيل المقبل أيها السادة، سيصنع الجمال في السينما، حتى وإن غاب الدعم الذي يتهافت عليه تافهون كثر. ستخرج زينب واكريم بعد أيام من صمتها، وستتوجه إلى كان لتقدم شريطها في هذه الفئة في قاعة "بينييل" التي سبق وعبر منها كمال لزرق ممثلا للمدرسة الوطنية العليا لمهن الصورة والصوت بباريس في العام ألفين وأحد عشر بشريطه "دراري"، وحصل حينئذ على المرتبة الثانية. سيقدم في دورة كان المقبلة شريطه الطويل الأول Les meutes، في فئة "نظرة ما".

بالنسبة لزينب واكريم، المتعة ستكون أكبر، لأن الفرص التي توفرها المدرسة في باريس بتاريخها وبإمكاناتها، أكبر بكثير من الفرص التي تمنحها مدرسة مراكش.

موهبة زينب واكريم لا تخطئها العين، وهذه الشابة ستحضر في مهرجان كان، وستفتح بابا لبقية زملائها ممن يتكونون في المغرب ليجتهدوا ويصير حضورهم في هذه المسابقة أمرا مألوفا في المستقبل.  فخور بها، وفخور باشتغالها في صمت، ستلقى كل الدعم من فوزي بنسعيدي وأسماء المدير وكمال لزرق هناك في كان، وبدون شك ستستقبل على أفضل وجه خلال عودتها لمعقلها الذي تكونت فيه، المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش. بصدق، الكفاءات لا تنقص في هذا البلد.. سننتظر فقط أن ينسحب التافهون والمدعون والمسترزقون تدريجيا، وبعدها ستشاهدون أشياء تشرف في المستقبل. هل الرسالة واضحة؟