تغطية مباشرة

شكرا "موسيو" كازالطا..

ثقافة
الثلاثاء ٠٧ دجنبر ٢٠٢١
14:02
استمع المقال
بلال مرميد
استمع المقال

حديث قصير، تلته قصة طويلة.. 

أعبر منذ البدء لأنسنة الحالة تفاديا للتعميم، لأن لكل واحد تجربته الخاصة مع الراحل پيير كازالطا. 

بعد مرور وقت قصير على التحاقي بميدي1 قبل ثمانية عشر عاما، اكتشفت بسرعة بأن الراحل پيير كازالطا كان يحترم من يجرب، ولا يبني رصيده على أقوال لا تعثر لها على أثر في ميدان الأفعال.

كلمته عن تغطيتنا ل"مهرجان مراكش" الذي كان في بداياته، وكلمني عن "مهرجان كان" الذي انطلقت في متابعة أطواره منذ العام 2005. أخبرته ببعض من تفاصيل داء أزعجني حينئذ، وأخبرني بأن الطبيب ينتظرني في باريس. بلغته بعضا من عراقيل كانت تعترض تنقلاتي المهنية، وبلغني بأني يجب أن أركز فقط على الحلول، وبأن لا أنضم لصف المنددين بالنهايات قبل الاطلاع على البدايات. سألته عن أحواله الصحية في آخر لقاء بالصدفة قبل ثلاث سنوات بمطار باريس شارل دوغول، وسألني بدوره عن أحوالي الصحية. سلمت عليه بحرارة، وسلم علي بنفس الحرارة. غادرت مؤقتا، وغادر إلى الأبد.. في أول وآخر المطاف، سنغادر جميعا.. هي مسألة وقت لاغير. 

حديث قصير، تلته قصة طويلة..

هناك جيل أول من الأساتذة رافق الراحل پيير كازالطا في التأسيس، وهناك جيل آخر انضم فيما بعد، وكنت من ضمن عناصره، التحق بمدرسة ميدي1 في بداية الألفية الثالثة. سمعت عنه الكثير قبل أن أعبر للاستوديو، وحكى لي السابقون عن ما يجب القيام به، وما يجب تفاديه حين يحضر پيير كازالطا. جلال وحكيم وعبد المنعم وآخرون، نصحوني بأن أتفادى ارتداء قبعتي خلال ندوة التحرير التي كان الراحل يسيرها بحزم، وهذا الموضوع شغل بالي حينئذ أكثر من أي تفصيل مهني آخر. ترددت كثيرا، ونزلت للطابق السفلي وطلبت لقاءه. شرحت له أسباب ارتدائي للقبعة، وطرح كثيرا من أسئلة، وقدمت عديدا من أجوبة. بعد دقائق، أخبرني بأنه بإمكاني الاحتفاظ بها، وبأنه سيركز بالخصوص على ما يمكن أن أقدمه. غادرت مكتبه الصغير، وصعدت الدرج منتشيا بإنجاز كبير، وبنتيجة إيجابية للمفاوضات، ومنذ ذلك اليوم تيقنت بأني قادر على إقناع كل الناس، من كل البلدان، في كل القارات بأن القبعة هي أنا، وأنا القبعة. انطلقت مثلما فعل عشرات آخرون، وفي كل مرة كنت أخفق فيها، أبكي في دواخلي لكي تغرق هفواتي، ثم أحاول من جديد. مع مرور الوقت، صرت أتناول فعل الكتابة ثلاث مرات في اليوم، مثل مضاد حيوي. أخبرته في آخر لقاء عابر، بأني كنت سأصير ميليونيرا لو كان الرصيد المالي يبنى على فضح المترامين و مستغلي الثقافة و الفن. ابتسم الرجل ونصحني بأن أشتغل على مشروع ثقافي بديل، ولحد الآن لازلت مركزا مع رداءات الآخرين. سامحني الله.. 

پيير كازالطا، صاخب أحيانا في وقت الهدوء، وهادئ أحيانا في وقت الصخب. مزاجي وعقلاني في الآن، يقسو ويحن، ويعاتب ويسامح في نفس الدقيقة. على عكس ما بلغني مرارا، وجدت في پيير كازالطا طيلة سبع من سنوات، الرجل الذي يصحح هفوات الشباب أكثر من عقابهم عليها. خلال تلك الفترة، عبرت من فترة صحية معقدة لا أرغب في تذكر تفاصيلها، ومرارا كان الراحل سندا وإن لم أطلب دعمه. 

حديث قصير، تلته قصة طويلة..

روح ميدي1.. هي مدرسة كبيرة اسمها ميدي1، تأسست قبل واحد وأربعين عاما. پيير كازالطا نقل الفكرة إلى أرض الواقع، و انطلق بث إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية ببعدها الجهوي و الدولي، ثم جاءت فيما بعد تجربة ميدي1سات (ميدي1 تيفي). مثل كثير  من أبناء الدار، كان اللقاء مع فريق ميدي1 قبل ثمان عشرة سنة، و مثل كثير ممن استقبلتهم الإذاعة، تشبعت بأسلوب ميدي1 و روح ميدي1. قد أغادرها غدا أو بعد غد، لكني مثل كثيرين سأظل مدينا لهذه المدرسة، ولمؤسسها ولمسيريها بالكثير. أسوأ من المنافق، ناكر المعروف.. 

أسماء كبيرة رحلت أو غيرت الأجواء، و أخرى شابة تشكل الخلف في إذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية. كل من عبروا من هذه المدرسة قد يمدحونها وقد يعاتبونها، لكنهم في قرارة نفسهم أحبوها ولا يمكنهم إلا أن يحبوها. لا يفضون دائما بحبهم؟ ليس هناك مشكل، لأن الحب يتكلم عن نفسه بنفسه.

حديث قصير، تلته قصة طويلة..

شكرا "موسيو" كازالطا..